قبل كل شيء .. وبعيداً عن عوالم السياسة المظلمة أو الفهومات الظلامية وحتى عن جميع أنساق الانتماءات الفرعية وانزياحاتها .. لابد من القول أن حق الشعوب في العيش الكريم يستدعي وجود الوعي والادراك لدى حكوماتها فيما يتلق بمفاهيم حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة.. والتزامها بتطبيقها.
من ناحية أخرى .. ثمة شعور لدى الانسان العراقي ليس باعتباره انتماءً عربيا او اسلاميا او اجتماعيا او دينيا .. بل باعتباره انساناً ذاق الأمرين من لهيب السياسات الرعناء وسطوة الحديد والنار والتي أدت الى اكتواء ظهره وتكميم فمه وكسر قلمه عن البوح بأي شيء هو في الاساس أبجديات لحقوقه وحرياته الانسانية ..
ذلك الشعور وانطلاقته تلكم تحدوه لمداخلة موضوع انتفاضة الشعوب العربية والاسلامية وشعوب العالم.. وتمس الحاجة أكثر حينما يتصاعد المشهد الدرامي دون انفراج وتحت سيل من الظلامات والقمع تجاه شعب كالشعب البحريني الشقيق والذي تتكالب على انتفاضته جيوش قادمة من خارج البحرين ينص بروتوكولها على التصدي للعدوان الخارجي الذي يمكن أن يداهم أيأً من دول الخليج الاعضاء .. لاالاحتجاج الداخلي السلمي الذي يضع مطاليبه الاصلاحية والدستورية أمام ملكه بكل شجاعة ووعي..
وهو شبيه من حيث المكون الأساسي والوحدات المقومة له بنموذج تونس ومصر وليبيا واليمن فكل من هذه النماذج مارد نهض من قمقمه وحطمه وطالب بحقوقه وحرياته الطبيعية حينما ظن الجميع أنه نام مخدراً بالقات أو أشياء أخرى!!
وفي قراءة تحليلية مختصرة نرى بوضوح ان عناصر الحركة المطلبية في البحرين هي سلمية شعبية مشفوعة بدعوتها المشروعة إلى إرساء دعائم الرفاه الاجتماعي والديمقراطية وتكريس دولة العدل والقانون، وإرساء مبدأ التوزيع العادل للسلطة والثروة، وإنهاء سياسة التمييز الطائفي بكل أشكاله.. وهذا مايكاد المراقبون ان يجمعوا عليه لولا تخبط بعض القنوات الفضائية بقصد او بدون قصد ـ مع اني لا اجردها من القصدية ـ في تحريف وتشويه صورة المشهد الحركي في البحرين باتجاهات فرعية وطائفية او مذهبية لاترقى الى اية مرحلة من مراحل تطور المشهد..
الأمر الذي يؤشر ضرورة المشاركة ـ ولو بالكلمة الطيبة النابضة بالحقيقة ـ في دعم القوى الشعبية المطالبة بحقوقها ، مع تحري خرائط تحقيق الاستقرار والسلام والأمن في المنطقة ، ليكون الموقف الذي يتبناه المثقف رسميا هو الوقوف مع الثورات الشعبية السلمية التي عمّت العالم العربي ..
هنا أريد أن أسجل الاكبار والاجلال لموقف الدعاة والقائمين على مؤتمر نصرة ودعم إرادة الشعب البحريني والذي عقد في بغداد، على مدى يومي الجمعة والسبت من الأول والثاني من نيسان (إبريل) الماضي هذا العام حيث دعا المشاركون وبعد مناقشات مستفيضة للمحاور الرئيسية الواردة في جدول أعمال المؤتمر إلى:
ـ الوقف الفوري للعمليات العسكرية والأمنية ضد الشعب البحريني المسالم.
ـ السحب الفوري لقوات درع الجزيرة من البحرين.
ـ الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي والضمير وتبييض السجون، ووقف الاعتقالات العشوائية.
ـ تعويض ذوي الشهداء والجرحى والمتضررين جراء الاعتداءات منذ خروج التظاهرات السلمية في الرابع عشر من شباط (فبراير) الماضي.
ـ دعوة المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق فوري ونزيه في جرائم الإبادة ضد الإنسانية وتقديم المتورّطين في استعمال العنف والرصاص الحي ضد المتظاهرين بصورة سلمية للعدالة .
ـ وقف حملات التحريض الإعلامي والثقافي والديني التي تدعو إلى الاحتقان والاصطفاف الطائفي.
ـ تقديم المستلزمات الإنسانية والطبية العاجلة لأبناء الشعب البحريني، وإزالة جميع الموانع التي تحول دون حركة المواطنين بصورة طبيعية.
ـ دعوة الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس الأمن الدولي للتحرّك الفوري لاتخاذ القرارات التنفيذية اللازمة لمعالجة الوضع الذي يهدد الأمن والسلم في المنطقة.
فهي وقفة عراقية أصيلة لثلة واعية ومثقفة من أبناء الشعب العراقي ، تزحف باتجاه مساندة شعب البحرين في قضيته العادلة، وتستثمر الفرصة لتعكس هوية عربية واسلامية انسانية شعبية جديدة تتلاءم مع الحراك المعاصر السلمي تجاه تحقيق المطالب .. كما توجه خلالها رسالة حب وتقدير للشعب البحريني ودعم لحركته السلمية ومطالبه المشروعة، وهي بمثابة اعلان شعبي عن تضامن النخبة ووقوفها معه في نضاله من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة الانسانية ..
وعليه ووفق هذه المعطيات الجديدة لحركة الجماهير واحاسيسها السياسية المشتركة .. لابد من بلورة موقف النخب العراقية والعربية لدعم الحقوق المشروعة للشعوب وإسناد تطلعاتها لتأهيل البلاد سياسيا واجتماعيا تجاه تطبيق قواعد العملية الديمقراطية..
ويتجلى هذا الموقف الداعم بعدة صور تختزلها مقولة الكلمة الصادقة الجريئة الشجاعة الهادفة ، كما يتجلى في تحريك المنظمات الإقليمية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني ودعاة العدالة والسلام والمدافعين عن حقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم لمناصرة الشعب البحريني والعمل الفوري على وقف المجازر والانتهاكات المستمرة بحق العزل والأبرياء من أبناء البحرين..
أما مبادرات الحوار فلا بد أن تبتنى على أساس النقاط السبع التي أعلنتها الحكومة في وقت سابق وقبل تصاعد المشهد الدرامي الدموي وبرعاية مرجعيات دينية وسياسية واجتماعية.. وتهيئة الجو المناسب لخلق أرضية صالحة للحوار..
المهم أن مارد الشعب البحريني العازم على تحطم قمقمه ايضا كبقية الشعوب المطالبة بحقوقها وحرياتها .. فلابد أن نعدّ له شيئاّ - ولو كلمة – تتلاءم مع طبيعة شعورنا السياسي الانساني الجديد بشعوب العالم وتضاريس حركاتها المعاصرة..