الأحد، 20 سبتمبر 2009

الفساد الإداري..
الآثار وخطة المعالجة
يعاني المجتمع الدولي من ظاهرة الفساد الكثير لما لها من ابعاد ستراتيجية في خلخلة بنية المجتمع وتداعي دعائم بنائه الاجتماعية والاقتصادية وعرقلة نموهما، وانتهاك لحقوق الانسان المشروعة في المجتمع من خلال الممارسات الخاطئة التي تمارس من قبل ممتهنيه ،كما انه يعرقل توطيد اركان الديمقراطية ويضعف تطبيقها ،لذا على الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني تحفيز ودعم الجهود الرامية للاصلاح وكبح جماح الفساد بكل انواعه،وذلك بوضع قانون لانظمة النزاهة وتطبيقه بشكل فعال لان من علل الفساد ضعف نظام النزاهة وضعف القائمين عليه وخاصة في البلدان النامية لذا يتعين اصلاح النظام الوطني للنزاهة قبل كل شيءفي أي بلد كان ..
وتعتبر ظاهرة الفساد والفساد الإداري والمالي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ ابعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع، كذلك تم تعريفه وفقاً لبعض المنظمات العالمية حتى أضحت ظاهرة لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها.
كما ان الفساد ينأى بطاقات الموظفين والمواطنين باتجاه الكسب السريع بدل القيام بالانشطة المنتجة ويقتل روح المنافسة في العمل والتميز في الاداء والطموح للافضل بالطرق العلمية الصحيحة ، ويحبط كل الخطط الرامية لتخفيف حدة الفقر وقمع محاولات النهوض بالواقع ...
جذور الفساد ممتدة في اعماق التاريخ وليست وليدة الحاضر ويعاني المجتمع العراقي في الوقت الحاضر من انتشار الفساد في بعض الدوائر العامة والحكومية وخاصة التي لها مساس مباشر بتوفير الخدمات والمصالح الرئيسية للمواطنين ..
إن ظاهرة الفساد الإداري ظاهرة طبيعية في المجتمعات الرأسمالية حيث تختلف درجات هذا الفساد إلى اختلاف تطور مؤسسة الدولة. إما في بلدان العالم الثالث فإن لفساد مؤسسات الدولة وتدني مستويات الرفاه الاجتماعي تصل إلى أقصى مدياتها، وهذا ناتج عن درجة التخلف وازدياد معدلات البطالة. فالفساد قد ينتشر في البنى التحتية في الدولة والمجتمع، وفي هذه الحالة يتسع وينتشر في الجهاز الوظيفي ونمط العلاقات المجتمعية فيبطيء من حركة تطور المجتمع ويقيد حوافز التقدم الاقتصادي.
إن الآثار المدمرة والنتائج السلبية لتفشي هذه الظاهرة المقيتة تطال كل مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب، فتهدر الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل منظومة تخريب وإفساد تسبب مزيداً من التأخير في عملية البناء والتقدم ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فقط، بل في الحقل السياسي والاجتماعي والثقافي، ناهيك عن مؤسسات ودوائر الخدمات العامة ذات العلاقة المباشرة واليومية مع حياة الناس.
يضاف إلى تلك العوامل والأسباب السياسية المتعلقة بظاهرة الفساد عوامل أخرى اقتصادية منها: غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة ذلك أن اغلب العمليات الاقتصادية هي عبارة عن صفقات تجارية مشبوهة أو ناتجة عن عمليات سمسرة يحتل الفساد المالي فيها حيزاً واسعاً، وهو ما سينعكس بصورة أو بأخرى على مستوى وبنية الاقتصاد الوطني، إذ ستؤثر هذه العمليات على مدى سير عملية تنفيذ المشاريع وبالتالي على عملية الإنتاج. من جهة أخرى، أن مستوى الجهل والتخلف والبطالة يشكل عامل حسم في تفشي ظاهرة الفساد ذلك أن قلة الوعي الحضاري ظلت ملازمة أو ملتزمة بالرشوة. كما أن ضعف الأجور والرواتب تتناسب طردياً مع ازدياد ظاهرة الفساد.
ويتجلى الاثر السلبي في:
1.ضعف الثقة بين الجمهور والسلطة مما يثير السخط وعدم الرضا والنقد المباشر اللاذع والمتكرر الذي يفقد السلطة شرعيتها في الاخير .
2.اثراء قلة على حساب الكثرة مما يزيد من اتساع الفجوة بين الفريقين وعدم العدالة والتميز الطبقي داخل المجتمع .
3.القلق وعدم الاستقرار في العمل وغياب الامان في الفرص التي يحصل عليها العامل .
4.ظهور فئة من المتسلقين وكأنهم الصفوة التي يعتمد عليها في العمل في حين انها لامبرر لوجودها.
ومن خلال هذه العوامل والأسباب الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لظاهرة الفساد، يمكن رصد بعض الآثار الاقتصادية المتعلقة بتلك الظاهرة عموماً منها:-
1. يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيئ توجيهها أو تزيد من كلفتها.
2. للفساد أثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي، ففي الوقت الذي تسعى فيه البلدان النامية إلى استقطاب موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنلوجيا، فقد أثبتت الدراسات أن الفساد يضعف هذه التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها مما يمكن أن يسهم في تدني إنتاجية الضرائب وبالتالي تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصةً فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة.
3. يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية التي يقدمها النظام بالإضافة إلى قدرتهم على مراكمة الأصول بصفة مستمرة مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع.
مما تقدم نلاحظ ان الفساد الاداري مستشر في كل بلدان العالم ولكن بنسب متفاوتة حسب قوة الحكومات التي تسوسها وحسب ثقافة الشعوب وقدرتها على تطبيق القوانين وتفعيلها في العمل الاداري والايمان والتبعية للوطن والابتعاد عن الانتماءات الضيقة الاسرية او العشائرية.
كما ان الحالة الاقتصادية للبلد لها الاثر الاكبر فكلما غاب الفقر عن بلد غاب الفساد لانه المحرك الاقوى والاشد لكل انواع الفساد ونحن نلاحظ وجود الفساد الاقتصادي في القطاعين العام والخاص ولكن وجوده في القطاع العام بشكل اوسع لضعف الرقابة والمساءلة المستمرة والجادة وان الحاجة مازالت ماسّة للمزيد من الدراسات والبحوث من اجل التقصي عن اسبابه الفعلية والتي هي اكثر من غيرها تعمل على تنميته وتغذيته ، والحد منها . فالبعض من الأسباب داخلي يمكن السيطرة عليه وبعضها خارجي يصعب السيطرة عليه .
لذا يجب تظافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني تلك الاركان الثلاثة للدولة للحد من الفساد وتضييق فجواته في المجتمع وبشكل حاسم ومدروس ومنظم بوضع الخطط والقوانين والانظمة وبالتعاون مع المجتمع الدولي و الاقليمي والمنظمات الدولية فبمجموع هذه الجهود يمكن السيطرة عليه ومكافحته واصلاح المؤسسات خدمة للصالح العام.
ويجمل الاستاذ ياسر الوائلي خطة لمعالجة حالة الفساد بمايلي:
1. تبسيط وسائل العمل، وتحديد مهل انجاز المعاملات يعبر عن أهم عامل في طريق مكافحة الفساد لأنه يضمن أمرين أساسيين يعول عليهما المواطن الأهمية الكبرى هما:
أ. انجاز معاملاته بأقل نفقة ممكنة.
ب.انجاز معاملاته بأسرع وبأقرب مكان ممكن وبالتالي بأسرع وقت ممكن.
2. اجراء تنقلات دورية بين الموظفين (كلما أمكن ذلك) يمكن أن يسهل ويعمل على تخفيض حالات الرشوة السائدة.
3. تشكيل لجان خاصة لوضع نظام متكامل لأداء الموظفين تقوم بإجراء تفتيش دوري بين الدوائر والوزارات واعداد التقارير الخاصة بذلك.
4. وضع مصنف يتضمن تقسيم الوظائف العامة على وفق طبيعة مهامها إلى فئات ورتب تتطلب من شاغليها مؤهلات ومعارف من مستوى واحد (أي اعتماد معيار الكفاءة والخبرة).
5. تحديد سلسلة رواتب لكل فئة من الفئات الواردة في المصنف بعد اجراء دراسة مقارنة للوظائف المتشابهة في القطاعين العام والخاص.
6. انشاء نظام رقابي فعّال مستقل مهمته الإشراف ومتابعة الممارسات التي تتم من قبل الوزراء والموظفين العاملين في كل وزارة ومؤسسة.
7. تفعيل إدارة الخدمات بمعنى أن يطال جميع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات أي أن تعطى إدارات الخدمات ذات العلاقة بالجمهور الأولوية الأولى. والتفعيل هنا يقتضي أن يتناول أربع قضايا أساسية هي:-
أ. هيكلية هذه الإدارات وبنيتها وتحديد مهامها وصلاحياتها بحيث يُعاد تكوينها على أسس علمية ومسلمات معروفة أبرزها خلو هذه التنظيمات والهيكليات من الازدواجيات وتنازع الصلاحيات إيجاباً كان أم سلباً وبالتالي ضياع المسؤولية وهدر النفقات وسوء تحديد المهام وتقادم شروط التعيين.
ب. العنصر البشري في هذه الإدارات بحيث يُختار الأجدر والأنسب على قاعدة تكافؤ الفرص والمؤهلات والتنافس والعمل على إيجاد حلول لمعالجة ظاهرة البطالة.
ج. أساليب العمل، بحيث يعاد النظر في هذه الأساليب لجهة تبسيطها وجعلها أكثر مرونة وتحديد أصول انجاز المعاملات.
د. وسائل العمل من أدوات وتجهيزات وآلات ومعدات تعتبر من لزوميات أساليب العمل.
8.العمل على إيجاد السبل اللازمة للخروج من نفق الفساد والإرهاب دون الوقوع في حلقة مفرغة ممثلة في البدء بإصلاح الدمار الهائل في المنظومة القيمية، أنماط التفكير وما يرافقها من أمراض كالانتهازية والسلبية ولغة التحاور المشوهة مع الذات والآخر.
9. العمل بمبدأ الشفافية في جميع مرافق ومؤسسات الدولة.
10. إشاعة المدركات الأخلاقية والدينية والثقافية- الحضارية بين عموم المواطنين .
وخلاصة القول: إن مكافحة الفساد الإداري لا يمكن أن تتحقق من خلال حلول جزئية، بل ينبغي أن تكون شاملة تتناول جميع مرتكزات الإدارة من بنيتها وهيكليتها إلى العنصر البشري العامل فيها إلى أساليب العمل السائدة فيها.