ليس العيب في أن تعتمد أنظمة سياسية معينة إذا ما كانت خلفية ذلك إجرائية ، تفرضها شروط تمذهب مجتمع أو انتماء أغلبيته لذلك المذهب مع الحفاظ على الوضع مفتوحا تجاه المختلفين ، وأيضا في تأمين حقوق الأقليات في إطار سياسة وطنية متسامحة ومنفتحة على الآخر.
والأمر يصبح تخريبيا مدمرا حين توظف المذهبية في ممارسة القمع، اذ يصبح الأمر مدعاة للصراع . فيكون الإشكال هنا في السياسة والتدبير لا في اعتماد الأساس الديني أو المذهبي في حدود الأجراءات والأحوال الشخصية.
ان منشأ الصراع اذن هو سياسي.. وهنا تصبح المسألة رهينة للإرادة السياسية، وهذا ما لم تظهر معالمه حتي اليوم، فسياساتنا تتخبط في أزمة بنيوية وهي غير قادرة على تقديم رؤية أو مشروع لحل مشكلات خدماتية لجماهيرها .
وإذا كانت السياسة تلعب دورا سلبيا في الصراع المذهبي ، فحتما سيكون الاقتصاد والإعلام والثقافة وكل ما يقوم الدولة، طرفا في هذا الصراع وعامل تكريس وتأبيد لمفاعيله.
يواجه الفكر السياسي العراقي ، معضلات مفهومية تخص البناء الاجتماعي ، وما فيه من أحداث ووقائع ومشكلات بنائية، متنوعة متعدِّدة في مضامينها وأسبابها الاجتماعية.
ولم يتعامل التعامل الكافي مع الظواهر البنائية السليمة أو تلك التي تستوفي شروطها في مستوياتها الوطنية.. وكما هي بين الناس في حياتهم اليومية.. وفي نحل المعاش ، على حد قول ابن خلدون.
بمعنى أنه لم يلتفت كثيراً الى الظاهرة المجتمعية التي تفعل فعلها في إثارة العداوة والكره والانشقاق والانقسام داخل المجتمع، فتزيده انشقاقاً وعداءً كما أنه لم يُوَظِّف العلم الاجتماعي والانثروبولوجيا في دراسة وتحليل وتفسير هذه الظواهر وفعلها في الحياة العربية على ضوء حقائقها، مثل ظاهرة الجهوية والقَبَليَّة والطائفية والنزعة القطرية، في سياق نزعة الالتحام والانقسام وامتداداتها داخل الأسرة والعائلة والقرية والقبيلة، والحي والمدينة.
ولم يلحظ تأثير ظواهر من قبيل؛
• النفاق بكل مضامينه وأشكاله وألوانه السياسية والاجتماعية.
• وظاهرة الاتباع والمريدين. وظاهرة العداوة وأسبابها وتجلياتها، وما يتمخض عنها من كره وعداوة سياسية واجتماعية.
• وإشاعة الغش بكل مضامينه.
• ثم ظاهرة الاستبداد التي تبدأ في الأسرة وتمر بالعائلة والعشيرة والقبيلة وتصل إلى الأحزاب وتنتهي بالسلطة.
• وظاهرة التغير الثقافي بحيث تعرف ما تخلت عنه الثقافة وما اكتسبت وفعل قيم الماضي وأعرافه على سلوك الفرد والجماعة والمجتمع. وما تأمر به وتنهي عنه.
• ثم مستوى الوحدة والاختلاف والتناقض بين القديم والجديد، وآثاره على ظاهرة الازدواج الثقافي على حد تعبير الدكتور على الوردي.
• وظاهرة الوصولية وتجلياتها في سلوك الناس السياسي، وخاصة داخل الأطر السياسية .
• وظاهرة الوجاهة في القرية والحي والمدينة ، وما لها من محددات ثقافية واجتماعية، وحضورها في شخصية السياسي والعسكري ورجل الفكر. ثم ما بين سلوك الوجيه والسياسي من وحدة وتناقض وافتراق. وما إذا كان الوجيه داخل إطار محدداته الثقافية العائلية - الأهلية، هو الذي يقود السياسي ويجعله على صورته في سلوكه الاجتماعي والسياسي أم العكس هوالصحيح؟
ولا نجانب الحقيقة إذا قلنا إنَّ تجاهل تلك الظواهر شكلت معلماً واضحاً من معالم الفكر السياسي والحزبي العراقي في بداية تشكيله ولحد الان ، مع أن هناك دراسات أكاديمية سوسيو - انثروبولوجية عن تلك الظواهر، كان بإمكان الأحزاب العراقية ، بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق، الاستفادة منها وقراءتها قراءة حديثة ، من أجل معرفة ما هو مشترك بينها وما هو متنوع.
وأيضاً معرفة أسبابه، على ضوء ما تسميه الانثروبولوجيا السياسية "الخصوصية الوطنية" التي تضفي على هذه الظواهر قسماتها الثقافية وفلكلورها الشعبي. علماً أنَّ الخصوصية الوطنية لا تتنافى أو تتعارض مع بعدها الحزبي في الاساس والمبدأ، لأنَّ الحزبية تساوق الوطنية في بداية تأسيس الاحزاب العراقية وتأريخها كما مر بك في بداية البحث.
وهذا الانقسام الحزبي- المجتمعي ،الذي حصل فيما بعد يحيلنا ووجهاً لوجه إلى دراسة ظاهرة الانقسامات في الأحزاب نفسها مع انها تحمل اهدافا وطنية واحدة. لما لها من آثار سلبية مُدَمِّرة في الحياة العراقية الجديدة، وخاصة على وحدة الشعب العراقي الذي يشكل لازمة للتقدم واستكمال التحرر من التدخل الخارجي، كما حقق التحرر من الاستبداد والدكتاتورية داخليا...
و ظاهرة الانقسام والعداء هي ظاهرة ثقافية بنائية يقوم الاتجاه الوظيفي بالتعامل معها على أساس فكرتي (البناء) و(الوظيفة) اعتماداً على قاعدة منهجية انثروبولوجية ترى: (... أن سمات الثقافة أيا كانت بدائية أم حضرية ليست من الأجزاء المبعثرة. وإنما تقوم مكونات الثقافة بإسنادها إلى وحدة من العناصر الثقافية المتكاملة، التي تتجمع في كل "متكامل" لا تناثر في عناصره أو تباعـد في سماته، بالنــظرة إلى الـثقافة كوحـدة عضوية "Organs Unit" يرتبط كل عنصر فيها بسائر العناصر والأجزاء الأخرى).
غير أنَّ الاتجاه الوظيفي لا بد أن يتضافر مع المنهج الأنثروبولوجي التحليلي الذي يبدأ مهمته التحليلية من خلال قاعدة تقول: إنَّ ظاهرة العداوة ظاهرة ثقافية بنائية موجودة في كل الأقطار العربية، ومستندة إلى تراث ثقافي فيه من قسمات المجتمع الأهلي ما فيه من قيم وأعراف وتقاليد وسنن الضبط الاجتماعي.التي تحسب على المجتمعات الأهلية التي لم تتخذ ما يلزم من تحولات جذرية قاعدية أو تحتية حتى تتحول إلى مجتمعات مدنية.
وبما أنَّ ظاهرة الانقسام وما يتبعها من عداء موجودة في الدول العربية فإنَّ لها تلاوينها ومحدداتها الثقافية التي تٌلَوِّنها بألوان محلية - جهوية وإقليمية وطبقية. ومع ذلك فإنّ ملاحظة الفعل الداخلي لها ملاحظة مباشرة تفيدك بأنَّ ما بين هذه الألوان مستويات من التداخل والتأثير المتبادل، مع الاحزاب والتشكيلات السياسية الموجودة داخل البلاد العربية ومنها العراق، وهذا يجعلك ترى أن هناك الكثير من التوافقات والمشتركات بين التشكيلات السياسية لدول العالم الثالث، في فعل العداوة، أي وظائفها داخل المجتمع الشرقي.
ان كافة أنماط الانقسامات والتحولات والصراعات المتفجرة قيمياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً إنما هي تعابير عن صراع الهوية السياسية للدولة المراد إنتاجها، وهي تجلّي لحرب هويات عرقية وطائفية ومناطقية وجهوية خاصة ، بغية كسب معركة الهوية السياسية للمجتمع والدولة لصالح هذه الهوية الفرعية أو تلك،..
وروح هذه الرابطة الكلية المسماة بالدولة هي الهوية التي تمثل حاصل التمازج والتناغم والإتحاد لعناصر الدولة الأربعة، وكلما تمازجت وتناغمت واتحدت هذه العناصر بعضها ببعض في الوعي والثقافة والتشريع والتطبيق.. كلما قويت الدولة وتجذّرت، من هنا فبقاء الدولة مرتبط بفاعلية الهوية وقدرتها على البقاء والتجدد والتطوّر.
فالمنشأ الحقيقي لهذا الصراع والانقسام هو سياسي بالدرجة الاولى ، ونريد به إنتفاء الشرعية للسلطة السياسية في بلادنا طيلة الفترات الدكتاتورية المتعاقبة ، كونها لم تنبثق من خلال الإرادة والإختيار الحر للأُمّة العراقية ، فأنتج ذلك حالات التسلّط والقهر لتدخل السلطة في صراع مع مجتمعها والمجتمع مع سلطته.
من جهة أُخرى ، فإنَّ:
• احتكارها للدولة والحكم دون أدنى مشاركة سياسية أو شعبية حقيقية .
• استخدامها المفرط للقوة والسحق لمعارضيها .
• فرضها لإيديولوجيتها بالقوة على حساب مقومات الأصالة والتكوين الطبيعي للمجتمع العراقي.
• تقنين الحياة العامة وفق رغباتها وبرامجها السياسية والإقتصادية والمجتمعية.
• تخطيطها وفعلها الدائم في خلق صراعات تحتية بين مكونات المجتمع بين ما هو شيعي وسُنّي وكردي وعربي لضمان سيادتها من خلال منطق فرّق تسُد.
• خلقها للصراعات الخارجية الوهمية وما تُنتجه من مفاسد وكوارث على حساب الإستقرار والأمن والتنمية.
كل ذلك أوجد صرعات متعددة ومعقدة للواقع الداخلي والخارجي للبلاد ..وأنتج أفدح الصراعات الدموية في كيان الأُمّة العراقية والذي ولّد بدوره العديد من حالات الكوارث المُنتجة للصراعات على تنوعها السياسي والإجتماعي والإقتصادي والذي أصاب كياننا العراقي في الداخل والخارج بأفدح الخسائر.
ويمكن أن نُشير فقط إلى التدمير الشامل الذي أنتجته الصراعات العسكرية الخارجية مع دول الجوار والعالم ، وهي جزء من تصدير أزمته إلى الخارج لإحكام الطوق الداخلي ، وجزء من استراتيجية إضعاف وإنهاك المجتمع داخلياً للحيولة دون قيامه ، وجزء من سياسية خلق الأعداء الوهميين لضمان البقاء والنفوذ والتفرد في السلطة والقرار.
إنَّ إشكالية المنشأ السياسي للصراع والانقسام وما ينتج عنها من صراعات وانقسامات نوعية أُخرى تعود أساسا لإشكالية إغتصاب السلطة والتفرد بالقرار والإدارة الرسمية لعموم التجربة السياسية العراقية فيما سبق ، على تنوعاتها دون أدنى مشاركة أو تبادلية أو تداولية في قضايا الحكُم وتسيير الأمور العامة للبلاد ، وهي إشكالية الشرعية والتمثيل الصادق والحر للإرادة الجماهيرية التي بدأت بالانحسار ماأن فسح المجال للارادة العراقية الحرة بعد سقوط النظام الدكتاتوري.
يعتقد البعض أن سقوط النظام الدكتاتوري وانهيار دولته كان فرصة تاريخية للشروع مجددا ببناء دولة عراقية حديثة، تحقق الاندماج المجتمعي وتبني امة/شعبا عراقيا على اساس هوية وطنية مشتركة، تجذر مفهوم المواطنة. لكن قد اجهض مشروع الدولة الحديثة بسبب:
• الانزلاق السريع نحو الهويات الفرعية، من قبل المجموعات التي دخلت الحكم.
• والانزلاق السريع نحو العنف المسلح من قبل الجماعات التي ظنت انها خرجت من لعبة الحكم.
• فضلا عن عوامل داخلية و خارجية اخري.
واقام بدلا منها سلطتين الاولي رسمية، منقسمة عموديا ، الامر الذي تجسد بنظام المحاصصة الطائفية بكل شيء.
والثانية غير رسمية، تعبر عنها الجماعات المسلحة، الارهابية رغم شعار المقاومة الذي ترفعه، في مناطق نفوذها العملي او المفترض.
لكن الحقيقة انه ليس من الصحيح ان نتوقع ان تتفق مفردات كل مكون من المكونات الرئيسية للمجتمع العراقي الثلاثة (الشيعة والسنة والكرد) على خيار واحد بعينه، لسبب اساسي وهو ان كل تكوين من هذه التكوينات لا يمثل جسما متجانسا من حيث المصالح والثقافة والوعي السياسين والانتماء الحزبي.
لقد ساد الانتماء الفرعي (العرقي او الطائفي) بعد سقوط النظام الدكتاتوري لأن الطبيعة القمعية لهذا النظام لم تسمح بالتطور السياسي للمجتمع العراقي ان يواصل حركته باتجاه قيام احزاب وطنية تتجاوز العضوية العرقية او الطائفية، مع وجود استثناءات قليلة برهنت الانتخابات الاخيرة على دورها الثانوي في تشكيل الحياة السياسية العراقية.
أغلب المحاولات البنائية للهوية السياسية قامت على أسس منقطعة عن استحقاق الدولة الوطنية، ومعظم النُخب العراقية في أنماطها السياسية والدينية والثقافية والإقتصادية كانت نخباً مؤدجلة على النقيض من المباديء الوطنية في عمق ثقافتها وقرارها، والأدهى أنها على صعيد الممارسة شكّلت نخبوية جهوية لم تخرج في الأعم الأغلب عن أطر الهويات الفرعية الضيّقة من قبيل العِرق والطائفة والقبيلة والعائلة، ولم تنجح في تأسيس هوية مدنية وطنية تجمع بين أصالة التكوين الذاتي لمكونات المجتمع وبين الإنصهار في الجماعة السياسية الكلية المُشكّلة للدولة.
وأيضاً وفي فعلها الضيق المتأثر بالإنتماء الخاص العرقي والطائفي والسياسي والمناطقي أدّت إلى ترسيخ الهويات المجذرة للإنتماءات والولاءات الضيقة، الأمر الذي أفرز الإنقسام والتصدع والتصارع الوطني بين مدارس وتيارات الوطن الواحد.
ونموذج لذلك تأتي الصراعات الطائفية (بين ما هو شيعي وسُنّي)، والعِرقية (بين ما هو عربي وكُردي وتركماني..) كإنموذج لإستدعاء فعل الذاكرة التأريخية في التعاطي مع واقع الهوية الحديثة.
وكذلك اعتماد سياسات استبدادية في عمق البناء الثقافي والسياسي والحضاري للدولة الحديثة ومحاولة حمل الدولة ومكوناتها على أساس منها، من هنا تم إقحام الدولة في مناهج وخصومات خاطئة أتى على حساب استقرارها وتطوّرها،.. لقد أُريد للدولة العراقية الإمعان في السحق لحقوق الإنسان والجماعات فتصادر المواطنة والحريات، وأُريد لها شرعنة التمايز لتقضي على المعايير الوطنية الشاملة والعادلة والمتكافئة لأبناء الوطن الواحد، وأُريد لها أن تُطحن في رحى الحروب لتطلّق التنمية والتطور والإزدهار. لقد أتلفت هذه المناهج الدولة من الداخل بفعل عوامل الفساد والظلم والجهل والإجترار والسَلبية.
ليست العوامل الخارجية هي من أوجد المادة الأولي للصراع المذهبي والطائفي في العراق. لكن العامل الخارجي يحضر هنا كمحرض وموجه يستغل كل مواقع الضعف في المجتمع لتحقيق استراتيجيا أخري لا علاقة لها بنا كشعب بقدر علاقتها بمصالح وسياسات متعلقة ببلدنا كأرض.
إن خطر العامل الخارجي يتضاعف هنا إذا ما وجد الفراغ السياسي ، أي انعدام تدبير أمثل لأوضاعنا ومشكلاتنا، فالدول الاستعمارية والمهيمنة تعاني هي الأخري من التعددية والطائفية .وهي تحاربنا بجيوش متعددة الأعراق والمذاهب والطوائف والألوان لا توحد بينهم سوي الوطنية وخدمة العلم... ولكنها تستغل ضعفنا وغياب الانفراج السياسي الذي وحده يؤمن الدولة من احتقان المجتمع وتمكين العامل الخارجي من استغلال الورقة الطائفية والمذهبية.
ولا يخلو أيّ مجتمع، مهما كان حجمه، من عوامل انقسام، مثلما تكمن فيه أيضاً عناصر وحدة. إنّهّا سنّة الحياة في الجماعات البشرية، منذ تكوّنها على أشكال تكتّلات عائلية وعشائرية وقبلية وصولاً إلى ما هي عليه الآن من صورة أممٍ وأوطان.
لكن المحطة المهمّة في مسيرة تطوّر الشعوب، هي كيفيّة حدوث التغيير والتحوّل فيها، كما هو السؤال عن طبيعة الانقسامات وأطرافها. أي، هل الانقسام هو على قضايا سياسية؟ اجتماعية واقتصادية؟ أم هو تبعاً لتنوّع ثقافي/أثني، أو ديني/طائفي؟
فكلّ حالة من تلك الحالات لها سماتها التي تنعكس على تحديد ماهيّة الأطراف المتصارعة وأساليبها وأهدافها.
إنّ المشكلة هي ليست في مبدأ وجود انقسامات داخل المجتمعات والأوطان، بل هي في انحراف الانقسامات السياسية والاجتماعية إلى مسارات أخرى تُحوّل الصراع الصحي السليم في المجتمع إلى حالة مرضية مميتة أحياناً، كما يحدث في الصراعات السياسية والطائفية والقبلية.
ان كثيرا من المجتمعات شهدت وما تزال حروباً أهلية على أسس طاثفية وأثنية وقبلية. كذلك مرّت القارّة الأوروبية بهذه المرحلة، وكان ما شهده العقد الماضي من حرب الصرب في يوغسلافيا ومن الأزمة الأيرلندية هو آخر هذه الصراعات، رغم التحوّل الكبير الذي حصل في أوروبا وفي أنظمتها السياسية خلال القرن العشرين.
إنّ الفكرة الأساس هنا، هي أنّ عوامل الانقسام ومظاهره ستبقى قائمة في أيِّ مجتمع مهما بلغ هذا المجتمع من تطوّر اجتماعي وسياسي ومن تفوّق علمي وحضاري، لكن المهم ألا تكون عناصر الانقسام السائدة فيه هي ما يدفع إلى حروب أهلية بدلاً من تغيير سلمي يحقّق أوضاعاً أفضل للحاضر وللمستقبل معاً.
فالتعدّدية بمختلف أشكالها هي سنّة الأرض، والطبيعة تؤكّد تلك الحقيقة في كلِّ زمانٍ ومكان. لكن ما هو خيار بشري ومشيئة إنسانية هو كيفيّة التعامل مع هذه (التعدّدية) ومن ثمّ اعتماد ضوابط لأساليب التغيير التي تحدث في المجتمعات.
فليس المقصود هو أن تتوقّف كل مظاهر الانقسام في المجتمع... لكن المقصود هو أن تأخذ الصراعات السياسية والاجتماعية أولويّة الاهتمام والتفكير والعمل بدلاً من الصراعات التي تجعل الفقراء مثلاً يحاربون بعضهم البعض فقط لمجرّد توزّعهم على انتماءات أثنية أو طائفية أو قبلية.
فحينما يطالب شعب ما في أيِّ بلد بالعدالة السياسية والاجتماعية، تصبح حركته قوة تغيير نحو مستقبل أفضل، بينما العكس يحدث إذا تحرّكت الجماعات البشرية على أساس منطلقات أثنية أو طائفية، حيث أنّ الحروب الأهلية ودمار الأوطان هي النتيجة الطبيعية لمثل هذا التحرّك التخريبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق